فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.موعظة:

عِبَادَ اللهِ كُلُّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لا يُخْطِيْ وَلا يَنْحَرِفُ عَنْ طَرِيقِ الحَقَّ بَلْ إنَّ فِيْنَا مِن الغَرائِزِ وَالطّبَاعِ مَا يَمِيْلُ بِنَا إلى الرُّشْدِ وَالغَيّ وَالخَيرِ وَالشَّرَّ وَلَيْسَ كُلُّ إنْسانٍ يَعْرِفُ خَطَأَهُ أو يَهْتَدْيْ إليْهِ.
وَبِذَلِكَ كانَ مِنْ حَقَّ المُسْلِمِ عَلى أَخِيْهِ أَنْ يُبَصَّرَهُ بِعُيُوْبِهِ وَيَنْصَحَ لهُ في أَمْرِهِ وَهَذا مِن التَّواصٍيْ بِالحَقَّ. وَكَما يَجِبُ عَلي مَنْ رَأى الظُّلمَ مِنْ حاكِم ومسئول أنْ يُنْكِرَ عَليْهِ ظُلْمَهُ وَبغْيَهَ وَجَبَ عَلى مَنْ رَأى مُؤْمِناً يَظلِمُ غيرَهُ أوْ يَظْلِمُ نَفْسَهُ أنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبْينَ مَنْ يَظْلِمْ إبْقَاءً عَلى حَقَّ الأُخُوَّةِ ودفعاً لِلأَذَي عَنْ المظْلُومِ وَعَن المُجْتمعِ.
قال بَعْضُ العُِلَمَاءِ النَّصِيْحَةُ عَلى مَرَاتِبَ أولاً أنْ لا يُبَادِرَ الانسَانُ إلَى تَصْدِيْقِ مَا يُقَالُ لَهُ عَنْ قَرِيْبِ أوْ صَدِيقٍ أَوْ جَارٍ أوْ زَمِيْلٍ أو أحدٍ مِنْ النَّاس بَلْ يَتَثَبَّتُ في ذَلِك حتَّى يَسْتَيْقٍنَ لأنّ أكَثَرَ الناس في وَقْتِنَا اعتادُوا إِشَاعَةَ السُّوءَ وَأَكْثَرُ النَّاس إلى الإسَاءَةِ يُسْرِعُونَ، وَيَنْدُرُ مِنْهُم مَنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ، فَلا تُصَدَّقْ فَوْراً بكل مَا سَمِعْتَهُ.
حَتّى تَسْمَعَهُ مِمَّنْ حَضَرَهُ وَشَاهَدَهُ وَتَتَأكّدَ مِنْ ثُبُوتِهِ وَبَراءَتَهِ وَخُلُوّهِ مِنْ الهوَى والأَغْرَاضِ.
وَإذَا رَأَيْتَ أَمْرَاً أَو بَلَغَكَ عَنْ صَدِيقَكَ كَلامٌ يَحْتَمِلُ وَجْهَينْ فاحْمِلْهُ مَحْمَلاً حَسَناً، قَالَتْ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بن مُطِيْعٍ لِزوْجِهَا طَلْحَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ عَوْفٍ وَكانَ أجْوَدَ الناسِ في زَمَانِهِ مَا رَأَيْتُ قَوْماً ألأمَ مِنْ إخَوانِكَ قَالَ لَهَا وَلَمَ ذَلِكَ قَالتْ أَرَاهُمْ إِذَ أيْسَرْتَ لَزِمُوْكَ وَإذا أعْسَرْتَ تَرَكُوْكَ فَقالَ لَها هَذَا واللهِ مِنْ كَرَم أخْلاقِهم يَأتُوننا في حَالِ قُدْرَتِنَا عَلى إكْرَامِهِمْ وَيَترُكُوْنَنَا في حَالِ عَجْزَنَا عَنْ القِيَام بِحَقّهِمْ.
فَانْظُرْ كَيْفَ حَمَلَ فِعْلَهُم عَلى هَذَا المَحْمَلِ الحَسَنِ، وثَانِياً أنْ يَكُونَ عَلى بَالِكَ مُسْتَحْضَرَاً أنَّ الناسَ ليسُوا مَعْصُومِينَ بَلْ لهُم هَفَواتٌ وَأَخْطَاءٌ وَتَصوَّرْ ذَلِكَ في نفْسِكَ لِتَعْذُرَهُم وَلقَدْ أحْسَنَ القَائِلُ:
مَن الذي مَا سَاءَ قَطَّ ** وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ

آخر:
أرَدْتَ لِكَيْمَا لاَ تَرى لِىَ عَثْرَةً ** ومَنْ ذَا الذِي يُعْطَى الكَمالَ فَيَكْمُلُ

آخر:
وَمَنْ الذِيْ تُرْضى سَجَايَاهُ كُلَّهَا ** كَفَى المَرْءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعَائِبُهُ

آخر:
إِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ في الزمانِ مُهَذَّباً ** فَنِيَ الزمانُ وأنْتَ في الطَّلَبَاتِ

خُذْ صَفْوَ أَخْلاقِ الصَّدِيقِ وأعْطِهِ ** صَفْواً ودَعْ أخْلاَقَهُ الكَدٍرَات

ثَالِثاً: أَنْ تَنْظُرَ إلى الأَمْرِ مِنْ وِجْهَةِ نَظَركَ وَمِنْ وِجْهَةِ نَظَر صَاحِبه أَيْضَاً، فَقَدْ يَكُونُ مُجْتَهِداً فِيْمَا أعْتَقَدهُ مِنْ رَأيْ مُتَحَرَّياً لِلْخَيْر فِيْمَا سَلَكَهُ مِنْ سَبِيْلٍ، فَلا تُسَارِعْ إلى الانْكَارِ عَلَيْهِ وَتَخْطِئَتِهِ مَا دَامَ مِنْ المحُتمَل أنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ مِن الحقَّ فَإنْ تَأَكَّدْتَ مِنْ الخَطأ والانْحِرَافِ فَتَقَدَّمْ بالنَّصِيْحَة سِرّاً بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، لا عِنْدَ ملأٍ مِنْ الناسِ كَمَا يَفْعَلهُ بَعضُ النَّاسِ، فَإنه أحرى لِقَبُولِ النَّصِيْحَةِ، رَابِعَاً: لاَ يَتَرَتَّبُ عَلى النَّصِيْحَةِ مَا هُوَ شَرٌ مِنْهَا.
تَعَمَّدِني بِنُصْحٍ في انْفِرَادِ ** وجَنِبّنِي النَّصِيْحَةَ في الجَمَاعَةْ

فإِنْ النُّصْحَ بين الناسِ ضَرْبَ ** من التَّوْبْيخ لا أَرْضَى اسْتمَاعَهْ

فإِنْ خَالَفْتنِي لِتُرِيْدَ نَقْصِيْ ** فلا تَغْضَبْ إِذا لم تُعطَ طَاعَةْ

وَعِنْدَمَا يُهْمِلُ الصَّدِيْقُ صَدِيْقَهُ وَيُهْمِلُ الأَخُ حَقَّ أَخِيْهِ عَلَيْهِ في النُّصْحِ وَالارْشَادِ تَسُوء عَلائِقُ بَعْضِهمْ مَعَ بَعْضٍ وَتَنْقَلِب الصَّدَاقَةُ عَدَاوَةً وَيُصْبحُ أَمْرُ المجَتمَعِ فَوْضَى يَمُوْجُ بِالشَّرَّ والاثْمِ.
وَلَقَدْ أخْبَرَنَا اللهُ في القُرْآنِ الكَريْمِ أنَّ بَنيْ اسْرَائِيلَ اسْتَحَقُّوا اللَّعْنَةَ وَالحِرْمَاَن وَالتَّشْرِيدِ لأَنَّهُمَ كَانُوا لا يَتَناصَحُونَ، قَالَ تَعَالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَي لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.
وَلَيْسَ أَدَلَّ علي رُقِيّ الأمَّةِ وَاستِقَامَةِ ضَمَائِرهَا مِنْ تَمَسُّكِهَا بِخُلُقِ التَّنَاصُحِ فِيْمَا بَيْنِهَا وَالتَّوَاصِيْ بِالحَق، قاَل تَعَالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
رُويَ عَنْ الشَّافِعِيّ رَحمَهُ اللهُ أنّهُ قَالَ لَوْ لَمْ يَنْزِلْ غَيرَ هَذِهِ السُّورَةِ لَكَفَتِ النَّاسِ.
وَكانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النّبيِ صلى الله عليه وسلم إِذَا الْتَقَيا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلى الآخِر سُوْرَةَ العَصْرِ ثمَّ يُسَلَّمُ أَحَدُهُمَا عَلى الآخَرِ.
قُلْتُ: وَذَلِكَ أَنَّ الأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِي كُلُّهَا تَدُوْرُ عَلى التَّوَاصِيْ بِالحَقَّ وَالتّواصِيْ بالصَّبْرِ، فَالتَّواصِيْ بالحَقَّ مِثلُ الايْصَاءِ بِتَوْحِيْدِ اللهِ والإيمَانِ بِهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ.
وَالإيصَاءِ بالصَّلاةِ والزَّكَاةِ وَالصَّيام وَالحَجَّ وبرَّ الوَالِدَيْنَ وَصِلَةِ الأرْحَامِ والإحسَانِ إلى اليَتِيْمِ وَالمِسْكِينِ وَالجَارِ وَابْنِ السَّبِيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالتَّواصِي بالابتِعَادِ عَنْ مَا نَهى اللهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ مِن المَعَاصِيْ كُلِّهَا الصَّغَائِر وَالكبَائِر.
وَالتَّواصِي الصَّبْر عَلى الطَّاعَاتِ حَتّى المْمَاتِ، وَالتّواصِيْ بِالصَّبْرِ عَلى المَصَائِبِ، وَالتّوَاصِيْ بِالصَّبر عَن المَعاصِيْ.
وَلكِنْ يَا لَلأَسَفِ صَارَ التَّوَاصِيْ عِنْدَ هَذَا الجِيلِ فِيْمَا يَتَعَلَّقُ بِالدُنْيَا وَحُطَامِهَا فَتَجِدُ الوَاحِدَ يَحُثُّ صَدِيْقَهُ على التَّعَلُّقِ بِهَا وَعِمَارَتِهَا وَكُلَّ مَا يَشْغَلُهُ ويُلهِيْهِ عَن الآخِرَةِ مِنْ مَشاركِة وسلفةٍ ونحو ذلك.
وإذا انتقص بشيء مِما يتعلَّق بها أَقَامَ النّاسَ وَأقْعَدَهُمْ حَتَّى المُنْتَسِبيِنَ إلَى طَلَبِ العِلْمِ.
فَتَجِدُ الوَاحِدَ مِنْهُمْ إِذَا خُصِمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الدَّرَجَاتِ أو بَعْضُ الفُلُوس انْفَعَلَ وَتَغَيّرَ مِزَاجُهُ وَصَارَ يَتَكَلَّمُ بِكَلام غَيْر مُتَّزِنٍ.
عَكْس أُمُوْرِ الآخِرةَ فإنَّهُ لا يَهْتَمُّ لها، فَتَفُوتُه تكْبِيرَةُ الإحرَامِ مع الإِمَامِ بل تَفُوتُهُ الصلاةُ مَعَ الجَمَاعَةِ وَلا يُبالىْ بِنَقْصِ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةٍ.
وَتَجِدُ الوَاحِد مِنْهُمْ يُوْصِيْ زَمِيْلَهُ بالدَّرَاسَةِ لِأجْلِ الحُصُوْلِ عَلى شَهَادةٍ في زَعْمِهِ أنّهَا تَأمِينٌ لِلحَيَاةِ مِنْ الفَقْر.
وَهَذا يَدُلُّ عَلى ضَعْفِ التَّوكُّلِ عَلى اللهِ.
وَأمَّا الصَّلاةُ وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ وَتَرْكُ المَعاصِيْ التيْ بِهَا بإِذْنِ اللهِ تأمِينُ الحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ والسَّلامَةُ مِنْ جَهَنّمَ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ فَلا تَجِدُهُ يُوْصِيهِ بِهَا، وَلا يَهْتَمُّ مِنْهَا.
حَتَّى الآبَاءُ دَخل عَلَيْهِمْ النَّقْصُ فَتَجِدُ الأبَ وَالأمَّ يَحْرِصُوْنَ عَلى إيْقَاظ أوْلادِهِمْ للاخْتِبَار يَتَرَدّوُنَ عَليهِم وَلو شَقَّ ذَلِكَ عَليهِم.
أمَّا لِصَلاةِ الفَجْرِ وَسَائِرِ الصَّلوات وَسَاِئِر الطَّاعَاتِ وَالإبتِعَادِ عَن الملاَهِيْ وَالمُنْكَراتِ فلا.
نَسألُ اللهِ العَظِيمَ أنْ يُوْقَظَ قُلُوبَنا وَيَمْلأَهَا بِالغَيرةِ وَالنَّصِيحَةِ وَأَنْ يُصْلحَ قُلْوبَنَا وَأَوْلاَدَنا وَأَحْوَالَنَا وَجَمْيِعَ المُسلمِينَ.
وَإِذَا خَلاَ المُجْتَمعُ مِن التَّواصِيْ بالحَقَّ وَالصَّبْرِ والتَّناصُحِ أَوْ ضَعُفَ مَظْهرُ العَمَل بِهِ فَقَدْ انتهَت الأمّةُ أسْوءِ حَالاتِا مِن الفَوْضَي وفَسَادِ الأخْلاقِ وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ وَالعُدْوَانِ وفشُوَّ الشُّرُورِ مِن المُنافِقْينَ والنَّمامِينَ والكَذَّابِينَ وأعوانهم.
وانْظُرَ كَيْفَ تَكُوْنُ الحَالُ فِيْمَا إذَا عُدِمَ الأَمْرُ بِالمَعروفِ وَالنَّهْي عَن المُنْكَرِ وَتَرْكِ التَّواصِيْ بالحَقَّ وَالتَّوَاصِيْ بِالصَّبْرِ وَأُهْمِلتْ النَّصِيْحَةُ.
وَكْيفَ يَجْترئُ الفُسَّاقُ عَلى المعَاصِيْ وَيَصِلُوْنَ فِيْهَا إلَى مَا تَضِجُّ لَهُ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَا فِيْهِمَا مِنْ أَنوَاعِ الشُّرُورِ.
لا شَئَ أبْلَغَ من ذُلّ يُجَرّعُهُ ** أَهلُ الخَسِيسةِ أَهْلَ الدِينِ والحَسَبِ

القائِميْنَ بما جَاء الرَّسُوْلُ به ** والمُبْغِضِينْ لأَهْلِ الزَّيغِ والرَّيب

وَإنْ شِئْتَ فَزُرْ أيَّ جَهَةٍ مِن جِهَاتِ العَالَمِ تَري مَا يَتَقَطَّعُ لَهُ قَلبُكَ حَسَراتٍ انْظُرْ آكَدَ أرْكَانِ الإِسلاَمِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلاّةَ كَيْفَ تَرَكَهَا الكثيرُ مِن النَّاسِ.
وَانْظُرْ إلَى الزَّكَاةِ التِيْ لَوْ أُخرِجَتْ لَمْ يَبْقَ فَقِيْرٌ وانْظُرْ صِيَامَ رَمَضَانَ كَيْفَ لَمْ يُبَالِ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاس.
وَانْظُرْ كَيْفَ تَهَاوَنَ النَّاسُ بِالرَّبَا وَالغِشَّ وَسَائِر المُحَرَّمَاتِ كُلّ هَذَا نَتِيجَةُ اهْمَالِ التَواصِيْ بِالحَقَّ واَلتَواصِيْ بِالصَّبِرْ وَإهْمَالِ النّصِيحَةِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنّهي عَن المُنْكَرِ.
وَمَا قِيْمَةُ الأَوْطَانِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا ** رِجَالٌ بِدِيْنِ اللهِ قَامُوْا لِيَنْفَعُوْا

آخر:
وَقَعَنا في الخَطَايا والبَلاَيَا ** وفي زَمَن انْتِقَاضِ واشْتِبَاهِ

تَفَانَى الخَيرُ والصُّلَحَاءُ ذَلُّوْا ** وَعَزَّ بِذُلَّهِمْ أَهْلُ السَّفَاه

وبَاءَ الآمِرُوُنَ بِكُلَّ عُرْفٍ ** فَمَا عَنْ مُنكَرٍ في الناس نَاهِ

فَصَارَ الحُرُ لِلْمَمْلوَكِ عبداً ** فَمَا لِلْحُرَّ مِنْ قَدْرٍ وجَاهِ

فَهَذَا شُغْلُهُ طَمَعٌ وجَمْعٌ ** وَهَذا غَافِلٌ سَكْرانُ لَاه

لأَنّ التَّسَاهُلَ بِهَذِهِ الأُمُورِ يَفْتَحُ لِلنُّفُوسِ الخَبِيْثَةِ أبْوَابَ المعاصِىْ فَتَنَفُذُ إلى مَا تَشْتَهِي مِنْ خَبَائِثَ وَتَرى مَوْقِعَ ذلِكَ سَهْلاً عَلى النَّاسِ فَتَنْدَفِعُ إلى كلَّ مَا يَحْلُو لَها مَهْمَا كَانَ عَرِيقاً في بَابِ الرَّذِيْلةِ آمِنَةً مِنْ تَغَيُّرِ وَجْهٍ أوْ انْقِبَاضِ قَلْبٍِ لمَا تَفْعَلُ.
وإِذاً تَنْتَعِشُ الرَذِيلَةُ وَتَشْتَدُّ وَتَزْدَادُ وَيَقْوَي أَهْلُهَا وَهُم الفَسَقَةُ لأنَّ أَهْلَ الجَهْرِ بِالفَاحِشَةِ يَكُونُونَ قُدْوَةً سَيَّئَةً لِغَيْرِهِمْ. وَالنُّفُوسُ مِنْ طَبِيْعَتِهَا التَّقْلِيْدُ وَالمُحَاكَاةِ لِمَا تَرى وتسْمَعُ خُصُوصاً إِذا كَانَ مَا تَراهُ أو تَسْمَعُهُ لَذَّةً وَاطْلاَقَاً.
وَإذَا كَثُرَ جَيْشُ الرَّذِيْلَةِ في قُوَّةِ قَلَّ جَيْشُ الفَضِيْلَةِ في ضَعْفٍ، وَلا تَسْتَبْعِدَ أنْ يَتَغَلَّبَ جَيْشُ الرَّذِيْلةِ فَيُبِيْدَ جَيْشُ الفَضِيْلَةِ أوْ يَجْعَلَه في حُكْمِ المبُادِ وإنْ كَانَ لا يَزالُ بَاقٍ مِنْهُ أَفْرَادٌ.
و إذَا كانَ غَضِبَ اللهُ جَلَّ وَعَلا عَلى عِبَادِهِ فَعَاقَبَهُمْ في الدُّنيَا قَبْلَ الآخِرَةِ ولا يَنْجُوْ مِنْ بَطْشِ الله وَعَذابِهِ إلا مَنْ كَانَ في جانِبِ دِيْنهِ يَتَألَّّمُ لَهُ وَيَغضبُ عَلى مَخالِفيْهِ آمِراً لَهُمْ وَنَاهِياَ مَهْمَا نَالَهُ في سَبِيْلِ ذَلِكَ مِنْ إِيْذَاءٍ.
عَلَّمَنَا ذَلِكَ رَبُّنَا بِقَولِهِ: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
قَالَ تَعَالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} وقال في الآية الأخري: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
إذاً عَاقِبَةُ التَّساهُلِ في الأَمْرِ بالمعَرُوف وَالنَّهْي عَن المُنكرِ شَقَاءُ الدُّنْيَا بما يَنْزِلُ مِنْ آلامٍ لِمَعاصِيهِمْ التِيْ يَقْتَرِفُوْنَها آمِنِيْنَ مِنْ زَجْرٍ عَليهَا وَمَلامٍ وَشَقاءِ الآخِرَةِ بِمَا أعَدّ رَبُّنَا لِلّعُصَاةِ مِنْ عَذَابٍ.
قَالَ بَعْضُهُم:
مَضَي الزَّمَانُ وَعَيْشِيْ عَيْشُ تنكِيدْ ** وَالعُمْرُ وَلّى وَلَمْ أَظْفَرْ بِمَقْصُوْدِ

وَالِ اليَقْينَ وَعَادِ الشَّكَ أجْمَعَهُ ** عَظِمْ إلَهَكَ لا تَرْكَنْ لِمَنْقودِ

فَالخَطْبُ عَمَّ وَصَارَ النَّاسُ كُلُّهُم ** مُعَظّمِيْنَ لِبِدْعِيٍّ وَمَرْدُوْدِ

هَذَا الزَّمَانُ الذِي كُنَّا نُحَاذِرُهُ ** في قَوْلِ كَعْبٍ وفي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودِ

فَصَاحِبُ الدَّيْنِ مَمْقُوتٌ وَمُنْكَتِمٌ ** وَصَاحِبُ الفِسْقِ فِيْهِم غَيْرُ مَظْهُودِ

كُلٌّ يُقلد في الأهْوَاءِ صَاحِبَهُ ** حَتَّى الْبِلادَ لَهَا شَأْنٌ بِتَقْلِيدِ

وَالأَمْرُ بِالعُرْفِ ثمَّ النَّهْيُ عَنْ نُكُرٍ ** صَارَا لَدَيْنَا بِلا شَكٍ كَمَفْقُوْدِ

إِذَا نَصَحْتَ لِشَخْصٍ قَالَ أنْتَ كَذَا ** فِيْكَ العُيُوْبَ لَدَيْنَا غَيْرُ مَحْمُوْدٍ

أَضْحَى تَفَاخُرُهُمْ في حُسْنِ بِزَّتِهِمْ ** وَمَنْزِلٍ حَسَنٍ عَالٍ بِتَشْيِيْدِ

وَجَمْعِ حُلْيٍ وَخُدَّامٍ وأَمْتِعَةٍ ** أيَّامُهمْ فَنِيْتَ في جَمْعِ مَنْقُوْدِ

تَلْقَى الأَمِيْرَ مَعَ المَأمُوْرِ في وَهَنٍ ** عَنْ رَفْعِ مَظلَمَةٍ أَوْ نَفْعِ مَنْكُوْدٍ

لِنَيْلِ دُنْيَاهُمُ كَالأُسْدِ ضَارِيَةٍ ** وَكُلُّهُم في الهَوَى مُبْدٍ لِمَجْهُودِ

إذَا رَأَوْا صَالَحاً يَدْعُو لِنَيْلِ هُدَي ** تَأنَّبُوُهُ بِإيْذَاءٍ وَتَبَعَيْدِ

حُكْمُ القَوَانِيْنِ قَالُوا فِيْهِ مَصْلَحَةٌ ** وَفي الرَّبَا سَاعَدَتْ شِيْبٌ لِمَوْلُوْدِ

أَهْلَ الحِجَى وَالنُّهىَ مَالُوا لِمُحْدَثَةٍ ** قَالُوا الشَّرِيْعَةَ لا تَكْفِيْ لِمَقْصُودِ

أَبْدَوْا لنَا بِدَعَاً مَا كُنّا نَعْرِفُهَا ** وَجَانَبُوا نَهْجٍ تَوْفِيْقٍ وَتَسْدِيدٍ

تَلْقَى الهَوى وَالرَّبَا وَالجَوْرَ مُرْتَكَباً ** وَالعِلْم وَالنُّصْحَ فِيْهِمْ غَيْرَ مَوْجُوْدِ

وَالهَرْجَ وَالمَرجَ تَلَقَاهَا مَرُوَّجَةً ** وَالدَّيْنَ وَالسَّمْتَ في جِلْبَابِ مَرْدُوْدِ

وَقُلَّدَ الأَمْرَ لِكْعِيُّ أخُو بِدَعٍ ** لِجَلِبِ أمْرٍ وَفِكْرٍ غَيْرِ مَحْمُوْدِ

مُحَالِفُ الشَّرَّ لَمْ يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ ** لَوْ نَالَ خَيْرَاً قُصَارَاهُ لِتَبْدِيْدِ

البُهْتْ وَالذَّمُّ وَالايْذاءُ قَدْ وُجَدَتْ ** لِكُلَّ مُنْتَسِبٍ يَوماً لِتَوْحِيْدِ

فَالدَّيْنُ في غُرْبةٍ وَالنَّاسُ أَكْثَرُهُمْ ** بِخُبْثِ طَبعٍ يُوَالي كُلَّ مَطْرُوْدِ

صَارَ الذِيْ كَانَ تَأتَمُّ الهُدَاةُ بِهِ ** وَتَقْتَفِيْهِ بأَمْرٍ غَيْرِ مَعْهُوْدِ

مَنْ كَانَ يَهْجُرُ ذَا بِدْعٍ وَمَظْلَمَةٍ ** أَمْسَى يُبَاشِرُهَا مِنْ غَيْرِ تَرْدِيدِ

فَالكُلُّ يَسْرِيْ لِمَا يَهْوَاهُ خَاطِرُهُ ** لَمْ يَلْتَفِتْ لِمَرَاضِيْ خَيْرِ مَعْبُودِ

حَقُّ القَرِيْبِ وَحَقُّ الجَارِ أَهْمَلَهُ ** مَنْ كَانَ نَعْرِفَهُ بِالدَّيْنِ وَالجُوْدِ

تُجَّارُهُمْ لَمْ تُزَكَّ وَيْلُ أُمَّهِمُ ** مِنْ شَرَّ عَاقِبَةٍ في يَوْمِ مَوْعُوْدِ

لاَ يَرْبُ سُحْتٌ كَمَا قَالَ الإِلَهُ لَكُمْ ** كَسْبُ الحَرامِ طَرِيْقٌ غَيْرُ مَحْمُودِ

أَيْنَ الفِرَارُ وكَمْ مِنْ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ ** وَسُنَّةٍ دَرَسَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيْدِ

كَمْ مِنْ طَرِائِقِ سُوْءٍ بَانَ مُنْكَرُهَا ** وَمَنْهَلُ الحَق أضْحَى غَيْرَ مَوْرُوْدِ

فَمَا الطَّرِيْقَةُ إِلاَّ نَهْجُ أحْمَدَ مَعْ ** أَصْحَابِهِ السَّادَةِ الغُرَّ الصَّنَادِيْدِ

فَأَخْلِصْ لِرَبَّكَ وَاتبْعْ نَهْجَ سَيَّدِنا ** قَوْلاً وَفِعْلاً تَنَلْ فَوْزاً بِتَسْدِيْدِ

ثَعَالِبُ السُّوْءِ نَادَتْ في أرَانِبِهَا ** هَذَا زَمَانُكِ عِيْشِيْ عَيْشَ مَحْمُوْدِ

مَا في الأَنَامِ حمُاَةٌ غَيْرَ مَنْ رَحَلُوا ** وَمَنْ بَقِيَ عِنْدَنَا في زِيَّ مَلْحُوْدِ

وَاغُرْبَةَ الدَّيْنِ وَالإيْمَانِ في زَمنٍ ** أَهْلُ الهُدى بَيْنَ مَقْهُوْرٍ وَمَظْهُوْدِ

إنْ دَامَ هَذَا وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَيْرٌ ** لمْ يُبْكَ مَيْتٌ وَلَمْ يُفْرَحْ بِمَوْلُوْدِ

وَفَارِقِ الكُلَّ لا تَلْوِ عَلى أَحَدٍ ** أَرضاً بِأَرْضٍ وَخِلاَناً بِمَوْجُوْدِ

مَنْ كَانَ نَأْمَلُهُ في كَشْفِ مُعْضِلةٍ ** أَبْدَى بِعُذرٍ وَلا أَجْدَي بِمَقْصُوْدِ

فَأَيُّ أَرْضٍ بِهَا الاسْلامُ في شَرَفٍ ** وَسُنَّةُ المُصْطَفَى تَزْهُوْ بِتَجْدِيْدِ

أَيْنَ الفِرَارُ وَأَيُّ الدَّارِ نَلْقَى بِهَا ** وُلاتَهَا كُلَّ مَيْمُوْنٍ وَمَحْمُوْدِ

عُمْرِيْ غَدَا بَيْنَ وَاشٍ ثُمَّ مُبْتَدِعٍ ** يَا رَبِّ يَسَّرْ بِأنصَارٍ لِتَوْحِيْدِ

يَا صَاحِ مَنْ رَامَ فَوْزاً يَمْشِيَنَ عَلى ** طَرِيْقَةِ المُصْطَفَى يُحْظَى بِتَسْعِيْدِ

وَآلِهِ ثُمَّ أَصْحَابٍ لَهُ تَبَعٌ ** فَازُوا بِسَبِقٍ وَفَاقُوْنَا بِتَسْدِيدِ

وَقَادَةِ الخَيْرِ كَالنُّعْمَانِ أولِهمْ ** وَأَحْمَدَ وَابْنِ ادْرِيسٍ أَخَا الجُوْدِ

وَمَالِكٍ كُلِّهِمْ كَانُوا أَئِمَّتَنَا ** أَئِمَّةُ النّاسِ قَدْ جَاؤُوا بِمَقْصُوْدِ

نَوَاقِضُ الدَّيْنِ عَشْرٌ تِلْكَ فَافْهَمَهَا ** لِكَيْ تَنَالَ نَعيْماً غَيْرَ مَحْدُوْدِ

وَحُبَّ في اللهِ لا تَرْكَنْ لِمُبتَدِعٍ ** وَاهْجُرْ رِجَالَ الخنَا حُبّاً لِمَعْبُودِ

وَلاَزِمِ السُّنةَ الغَرَّاءَ تَنْجُ بِهَا ** عِنْدَ الِلّقَاءِ بِفَوْزٍ غَيْرِ مَحْدُوْدِ

وَلاَ تُوَافِقْ لأَهْوَاءٍ تُلَفَّقُهَا ** أَقْوَامُ سُوْءٍ بِلاَ شَك وَتَرْدِيْدِ

خَيْرُ الأُمُورِ أَخِيْ مَا كَانَ مَرْجِعُهُ ** إلى الرَّسُولِ بِلاَ شَك وَتَرْدِيْدِ

فَامْسِكْ عَلَيْهِ وَجَانِبْ كُل مُنْحَرِفٍ ** لِكَيْ تَفُوزَ بِدَارِ الخُلْدِ وَالجُوْد

اللهُم افْتَحْ لِدُعَائِنَا بَابَ القَبُولِ وَالإجَابَةِ وَارْزُقْنَا صِدْقَ التَّوْبَةِ وَحُسْنَ الانَابةِ وَيَسَّرْنَا لِلْيُسْرَى وَجَنَّبْنَا العُسْرَى وَآتِنَا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ وَاغْفِرْ لنا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ وَصَلَّّى اللهُ عَلى نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.